الأربعاء، 12 يونيو 2013

المجاهد أبو أيوب الأنصاري

هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، معروف باسمه وكنيته, وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن النبي وعن أبي بن كعب. روى عنه البراء بن عازب وزيد بن خالد، والمقدام بن معدي كرب وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين. خرج مع وفد المدينة لمبايعة النبي محمد بن عبد الله في مكة في بيعة العقبة الثانية. نزل عنده رسول الإسلام محمد عند قدومه من مكة. آخى الرسول بينه وبين مصعب بن عمير.
وعندما وصل رسول الله ( إلى أرض النصرة والإيمان مختتمًا رحلته الطويلة التي هاجر فيها من مكة إلى المدينة، وصار وسط جموع المسلمين التي خرجت لاستقباله، وتزاحم الناس حول زمام ناقته، كل يريد أن يستضيف رسول الله (، والنبي ( يقول لهم: (خلوا سبيلها، فإنها مأمورة) [البيهقي].
ويمضي موكب رسول الله ( ويصل إلى حي بني ساعدة، فحي بني الحارث، فحي بني عدي، ويخرج من كل حي من يعترض طريق الناقة آملاً أن يسعدوا بنزول رسول الله ( في ديارهم، وفي كل مرة يجيبهم النبي ( (خلوا سبيلها، فإنها مأمورة) [البيهقي].
إن قدر الله -عز وجل- هو الذي يتحكم في اختيار مكان نزول النبي ( حيث سيكون لهذا المكان مكانته العظيمة، ففوق أرضه سيقام المسجد الذي تنطلق منه أشعة الهدى والنور؛ لتضيء الدنيا بأسرها، وبجوار هذا المسجد سيقيم النبي ( في حجرات متواضعة.
وأمام دار مالك بن النجار بركت الناقة، ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مكانها الأول، ونزل رسول الله ( متفائلا، وتقدم أحد المسلمين، وقد عمرت الفرحة قلبه، فحمل متاع الرسول ( وأدخله بيته، ثم دعا رسول الله ( للدخول.
وكان بيت أبي أيوب مالك بن دينار طابقين، فاختار رسول الله ( الطابق الأسفل ليكون محل إقامته، وصعد أبو أيوب إلى الدور العلوي ولكنه لم ينم تلك الليلة، لأنه لم يستطع أن يتخيل نفسه وهو نائم في مكان أعلى من المكان الذي ينام فيه الرسول (. وفي الليل سال الماء في غرفته، فقام هو وزوجته أم أيوب ينظفانه خشية أن يصل إلى رسول الله ( منه شيء.
وفي الصباح ذهب أبو أيوب إلى النبي ( وأخذ يلح عليه ويرجوه أن ينتقل إلى الطابق العلوي، فاستجاب النبي ( لرجائه، وظل الرسول ( في بيت أبي أيوب حتى انتهى من بناء المسجد، وبناء حجرة له بجواره.وكان -رضي الله عنه- محبًّا للجهاد في سبيل الله، فمنذ أن حضر بيعة العقبة الثانية وحتى منتصف القرن الأول الهجري وهو يعيش في جهاد متواصل، لا يغيب عن حرب، ولا يتكاسل عن غزو، وشهد مع رسول الله ( بدرًا وأحدًا والخندق، والغزوات كلها، وحتى بعد وفاة النبي ( لم يتخلف عن غزوة كُتب للمسلمين أن يخوضوها إلا غزوة قد أمَّر فيها على الجيش شاب لم يقنع أبو أيوب بإمارته، فقعد ولم يخرج معهم، ولكنه ما لبث أن ندم على موقفه هذا وقال: ما خبرني مَنْ استُعمِلَ عليّ؟ ثم خرج فلحق بالجيش.
قال أبو أيوب الأنصاري للرسول :(يا رسول الله، كنت ترسل إليّ بالطعام فأنظر، فإذا رأيتُ أثر أصابعك وضعتُ يدي فيه، حتى كان هذا الطعام الذي أرسلتَ به إلي، فنظرت فيه فلم أرَ فيه أثر أصابعك ؟!) فقال رسول الله :(أجل إنّ فيه بصلاً، وكرهتُ أن آكله من أجل الملَكَ الذي يأتيني، وأمّا أنتم فكلوه) كان رسول الله يطوفُ بين الصفا والمروة، فسقطت على لحيتِه ريشةٌ، فابتدر إليه أبو أيوب فأخذها، فقال له النبي :«نزع الله عنك ما تكره» وخالد بن زيد وابنه زيد ابن حارثة هما حب الرسول وأبن حبه كما وصفهما الرسول
حادثة الإفك
خلال حادثة الإفك، قالت أم أيوب لأبي أيوب: (ألا تسمع ما يقول الناسُ في عائشة؟) قال: (بلى، وذلك كذب، أفكنتِ يا أم أيوب فاعلة ذلك؟) قالت: (لا والله) قال: (فعائشة والله خير منكِ) فلمّا نزل القرآن وذكر أهل الإفك ذكر القرآن: (لولا إذْ سمعتُموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مُبين)
لما تزوج الرسول بصفية، بخيبر أو ببعض الطريق، فبات بها الرسول في قبة له، وبات أبو أيوب الأنصاري متوشحاً سيفه يحرس رسول الله ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله، فلما رأى مكانه قال: (مالك يا أبا أيوب؟) قال: (يا رسول الله، خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك) فقال رسـول الله : (اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني)
موقفه من الفتنة
لما وقع الخلاف بين علي ومعاوية وقف أبو أيوب مع علي لأنه رأى أن الحق معه في عدم تعجيل القصاص من قتلة عثمان ‎رضي الله عنه، ولما استشهد علي وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة الصامدة لا يرجو من الدنيا إلا أن يظل له مكان فوق أرض الوغى مع المجاهدين.
أتى أبو أيوب عبد الله بن عباس ‎رضي الله عنه فشكا إليه أنّ ديناً عليه، ففرّغ له بيتَه، فقال :(لأصْنَعَنّ بكَ كما صنعت برسول الله ) قال:(كم عليك من الدّين؟) قال: (عشرون ألفاً) فأعطاه أربعين ألفاً وعشرين مملوكاً، وقال:(لك ما في البيتِ كلِّه)
وفاته
ورغم أن عمره تجاوز الثمانين عامًا إلا أنه ما كاد يسمع منادى الجهاد يحثُّ المسلمين على الخروج لفتح القسطنطينية (إستامبول الآن) حتى حمل سيفه على عاتقه قائلا: أمرنا الله -عز وجل- أن ننفر في سبيله على كل حال، فقال تعالى: {انفروا خفافًا وثقالاً} [التوبة: 41].
وفي هذه المعركة أصيب أبو أيوب، فذهب قائد الجيش يزيد بن معاوية يعوده، وقال له: ما حاجتك أبا أيوب؟ فقال: إذا أنا مت فاحملوني إلى أرض العدو ثم ادفنوني، ثم قال لهم: أما إني أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله ( سمعته يقول: (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) [متفق عليه]. وبالفعل كان له ما أراد، فقد طلب أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضي به أطول مسافة ممكنة في أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق، حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره، فيدرك آنئذ، أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز !
وفي قلب القسطنطينية في إسطنبول ثوي جثمانه ‎رضي الله عنه مع سور المدينة وبُنيَ عليه، فلمّا أصبح المسلمون أشرف عليهم الروم، فقالوا: (يا معشر العرب قد كان لكم الليلة شأنٌ ؟) فقالوا :(مات رجلٌ من أكابر أصحاب نبيّنا محمد ، ووالله لئن نُبِشَ لأضْرُبَ بِناقوسٍ في بلاد العرب) فأصبح قبره لأهل قسطنطينية وقبل أن يصل لهم الإسلام قبر قديس يتعاهدونه ويزورونه.
اذهبوا بجثماني بعيدا بعيدا في أرض الروم ثم ادفنوني هناك أبو أيوب الأنصاري
وكان -رضي الله عنه- زاهدًا ورعًا لا يحب البذخ أو الترف، فقد دخل يومًا بيتًا من بيوت المسلمين فوجد أصحابه قد زينوه بالستائر فطأطأ رأسه ناكرًا لفعلهم، وتركهم وقفل راجعًا، وكان واحدًا من رهبان الليل وفرسان النهار، عشق الجهاد، وتمنى الشهادة.
وظل هكذا حتى لقى ربه بعد حياة طويلة شاقة قضاها جنديًّا من جنود الله الذين لم يرضوا لأنفسهم الركون إلى الدنيا، وخرجوا بأنفسهم وأموالهم فاتحين بلاد المشرق والمغرب، ليُخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وليسعدوا جميعًا بالإسلام في الأرض.

الاثنين، 3 يونيو 2013

خادم الرسول أنس بن مالك

إنه الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-وأمه الرميصاء أم سليم بنت ملحان الأنصارية -رضي الله عنها- وكانت أمه قد أتت به وهو ابن عشر سنين إلى النبي ( في المدينة، وقالت له: هذا غلام يخدمك. فقبله النبي (، وكنَّاه أبا حمزة، ولازم الغلام رسول الله ( ملازمة شديدة، ما فارقه فيها أبدًا
وُلد قبل الهجرة بعشر سنوات ,وكان عمره لما قدم النبي محمد المدينة المنورة مهاجراً عشر سنين, وتوفي النبي محمد وهو ابن عشرين سنة
شهد أنس بن مالك بيعة الرضوان فكان أحد الذين قال الله فيهم (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18))

وامتلأ قلب أنس بحب النبي (، فها هو ذا يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي (يقصد رسول الله (). وقد أحبت أسرة أنس رسول الله ( حبًّا شديدًا، وكانت لأسرته في قلب رسول الله ( منزلة خاصة، فأمه أم سليم، وخالته أم حرام بنت ملحان، وعمه أنس بن النضر بطل أحد، وعمته الربيع بنت النضر.

وكان أنس يحفظ سر رسول الله (، فها هو ذا -رضي الله عنه- يقول: أسر إليَّ رسول الله ( سرًا فما أخبرت به أحدًا بعد، ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها به. وكان النبي ( يحب أنسًا ويقربه إليه ويمازحه، فلقد قال له يومًا: (ياذا الأذنين) [أبو داود والترمذي].
كان الرسول محمد بالنسبة لأنس الأب والمربي والقدوة والأسوة الحسنة وكان أنس حريصاً أشد الحرص في فترة خدمة الرسول على اقتفاء أثره وحفظ حديثه ومعاملته حتى مع زوجاته, لذلك أكتسب حديث أنس بن مالك أهمية بالغة بالنسبة للمسلمين حتى حزن كثير من المسلمين لوفاته حتى قال مؤرق العجلي لما مات أنس بن مالك «ذهب اليوم نصف العلم»
وكان أنس شديد الإعجاب بشخصية الرسول محمد وكان يقول «كان رسول الله من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق النبي »
ولم يكن أنس بالنسبة للرسول مجرد خادم ولكنه كان أمين سره ومساعده وتلميذه وصاحبه ومرافقة وكان يدعو له فيقول (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته)
وكان أنس مجاب الدعاء فما دعا لأرض بالمطر إلا ثار السحاب وغشيت الأرض الأمطار حتى في الصيف
يقول أنس بن مالك «خدمت رسول الله عشر سنين فلم يضربني ضربة قط ولم يسبني ولم يعبس في وجهي وكان أول ما أوصاني به أن قال يا بني اكتم سري تكن مؤمنا فما أخبرت بسره أحدا وإن كانت أمي وأزواج النبي يسألني أن أخبرهن بسره فلا أخبرهن ولا أخبر بسره أحدا أبدا»
عد ومكان اللقاء بالرسول يوم القيامة

وعد الرسول محمد أنس بن مالك باللقاء مرة أخرى في يوم القيامة ووعده بالشفاعة, قال أنس بن مالك أنه سأل النبي فقال: خويدمك أنس اشفع له يوم القيامة، قال: " أنا فاعل ". قال: فأين أطلبك؟ قال: " اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط؛ فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان وإلا فأنا عند حوضي لا أخطئ هذه الثلاثة المواضع

واشتهر أنس -رضي الله عنه- بالعلم والفقه والتبحر في علوم الدين، وروى كثيرًا من أحاديث الرسول ( ، وما يدل على علمه الغزير أنه قال لثابت البناني: يا ثابت خذ عني، فإنك لن تأخذ عن أحد أوثق مني، إني أخذته عن رسول الله ( عن جبريل، وأخذه جبريل عن الله.
وشارك أنس -رضي الله عنه- في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقد استخدمه أبو بكر -رضي الله عنه- في جمع الصدقات، فدخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاستشاره أبو بكر فقال عمر: ابعثه فإنه لبيب كاتب. وكان -رضي الله عنه- ممن حضر موقعة اليمامة، وشهد الفتوحات في عهد عمر، وعثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم-.
وكان يحب الستر على المسلمين، فيروى أن صالح بن كرز جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب، وبينما هو جالس إذ جاء أنس بن مالك -رضي الله عنه- فجلس فقال: يا صالح ما هذه الجارية معك؟ فقال صالح: جارية لي بغت فأردت أن أرفعها إلى الإمام ليقيم عليها الحد، فقال: لا تفعل، رد جاريتك، واتق الله، واستر عليها، فقال صالح: ما أنا بفاعل، فقال أنس: لا تفعل وأطعني، فلم يزل يراجعه حتى ردها.
وفي عهد عبد الملك بن مروان، لقى أنس بعض الأذى من الحجاج بن يوسف الثقفي، فاشتكاه أنس إلى عبد الملك وقال: لو أن اليهود رأوا خادم نبيهم لأكرموه، وأنا خدمت رسول الله ( عشر سنين، فبعث
عبد الملك بن مروان إلى الحجاج يعنفه ويزجره، ويأمره أن يذهب إلى أنس ويقبل يديه ورجليه.
وقد ضعف أنس في آخر أيامه، ولم يعد يستطيع الصوم فأحضر طعامًا وأطعم ثلاثين مسكينًا، ولما مرض سأله أهله أن يأتوا له بطبيب فقال لهم: الطبيب أمرضني. وقال وهو يحتضر: لقنوني لا إله إلا الله.
وتوفي أنس -رضي الله عنه- بالبصرة في أوائل التسعينيات من القرن الأول الهجري، وعمره يقترب من المائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله ( بالبصرة، ولما مات قال أهل البصرة: ذهب اليوم نصف العلم، وذلك لأنهم كانوا يرجعون إليه في كل ما اختلفوا فيه من حديث رسول الله (.
علم أنس بن مالك الصلاة من الرسول محمد مباشرة فكان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره[,وكان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تفطر قدماه دماً وكان يصلي مابين المغرب والعشاء ويقول هذه ساعة ناشئة الليل . قال أبو هريرة: «ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله من ابن أم سليم - يعني أنس بن مالك

وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو وحده فسألته وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: ما أعرف شيئاً مما أدركنا إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت.

كان له بستان يحمل الفاكهة في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك., يقول أنس: والله إن مالي لكثير
كان لأنس بن مالك أولاد كثير حتى صعب عدهم حيث دعا له الرسول محمد بكثرة المال والولد، فقيل أنه ولد له من صلبه ثمانون ذكراً وابنتان، إحداهما: حفصة، والأخرى: أم عمرو، ومات وله من ولده وولد ولده مائة وعشرون ولداً على قيد الحياة.يقول أنس: إن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو مائة اليوم.
وقد توفي في حياة أنس بن مالك أكثر من مئة من أبنائه من صلبه, يقول أنس: لقد دفنت بكفي هاتين من ولدي أكثر من مائة لاأقول لكم فيه ولد ولد ولا سقط