الاثنين، 17 مارس 2014

صاحب العمامة الحمراء أبو دجانة الأنصاري


سِماك بن خَرَشه وقيل : سِماك بن أوس بن خَرَشه بن لوذان الأنصاري نه الصحابي الجليل أبو دجانة الأنصاري، واسمه سِمَاك بن أوس بن خرشة، أسلم وآمن بالله ورسوله (، وقد آخى الرسول ( بينه وبين عتبة بن غزوان، وكان شديد الحب لله ولرسوله (، كثير العبادة، اشترك في غزوة بدر وحضر المعارك مع رسول الله (، وأبلى فيها بلاء حسنًا.
وقف يوم أحد إلى جانب فرسان المسلمين، يستمع إلى رسول الله ( وهو يعرض عليهم سيفه، قائلا: (من يأخذ مني هذا؟) فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ..أنا، فقال رسول الله (: (فمن يأخذه بحقه؟)، فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين (أي شق رءوسهم) [مسلم].
وأخذ أبو دجانة عصابته الحمراء وتعصب بها، فقال الأنصار من قومه: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، ثم نزل ساحة المعركة، 
فجعل يتبختر بين الصفين - قال ابن إسحاق: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن" -
قال: قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه 
واخذ ينشد
أَنَا الذي عَاهَدَنِي خَلِيــلِي وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيــلِ
أَنْ لا أُقِيمَ الدَّهرَ في الكبُولِ أَضــْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ
وأخذ يقتل المشركين، ويفلق رءوسهم بسيف الرسول ( حتى بدأ النصر يلوح للمسلمين، فلما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى، ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله (، منهم أبو دجانة الذي كان يدفع السهام عن رسول الله ( بعدما رأى كتائب المشركين تريد الوصول إليه، فتصدى لهم بكل ما أوتى من قوة؛ أملا في الحصول على الشهادة.
ومات الرسول وهو راض عنه
فواصل جهاده مع خليفته
أبي بكر الصديق، وشارك في حروب الردة، وكان في مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعى النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة، وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال، فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة، وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة صنيعه من تضحية وجهاد لإعلاء كلمة الله.

الثلاثاء، 11 مارس 2014

صاحب سر رسول الله حذيفة بن اليمان

أبوه الصحابي الجليل: اليمان حسل أو حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيص عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كان قد قتل رجلا فهرب إلى يثرب وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، لحلفه اليمانية وهم الأنصار[1]، ثم تزوج امرأة منهم وهي الرباب بنت كعب الأشهلية، فأنجبت: حذيفة وسعد وصفوان ومدلج وليلى. وقد اسلمت الرباب وبايعت الرسول. ولليمان ابنتان أخرىان هما: فاطمة[2] وأم سلمة. استشهد اليمان في غزوة أحد.
واجه والده اليمان مشكلة الطلب بثأر عليه أجبره على الهرب وترك مكة واللجوء للعيش مع عائلته في يثرب, وعندما أعلن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دعوته للإسلام في مكة جاءه اليمان مع بقية من أهل يثرب من الأوس والخزرج وبايعوه ولم يكن حذيفة معهم ولكنه أسلم قبل مشاهدة الرسول. عندما وصل رسول الإسلام سأله حذيفة هل هو يحسب من المهاجرين أم من الأنصار, فقال له رسول الإسلام أنت يا حذيفة من المهاجرين والأنصار.

حذيفة بن اليمان هذا كان يعرف كذلك ويكنى بحافظ سر الرسول, حيث أن الرسول كان قد أسر له بأسماء كافة المنافقين المحيطين بهم ولم يفش بهذا السر لأي كان وهذا هو شأن كل حافظ لسر. وكان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب عندما يريد أن يصلي على أحد أموات المسلمين يسأل عن حذيفة وهل هو من ضمن الحاضرين للصلاة وذلك خوفا منه بالصلاة على أحد المنافقين.
يوم أحد

لقد كان حذيفة في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قوياً، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه: (أبي، أبي، انه أبي !!) ولكن أمر الله قد نفذ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم، لكنه نظر اليهم اشفاقاً وقال: (يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين) ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأمر بالدية عن والد حذيفة (حسيل بن جابر) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين، فازداد الرسول له حباً وتقديراً.

قصته بغزوة الخندق
قال حذيفة: صلى بنا الرسول ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر مافعل القوم، ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة"؟ فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد، دعاني، فلم يكن لي بد من القيام، فقال: «ياحذيفة! إذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا».
فذهبت فدخلت فيهم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناءا.
فقال أبو سفيان: «لينظر امرؤ من جليسه»، فأخذت بيد الرجل الذي كان جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يامعشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهم.وعاد حذيفة إلى النبي وأخبره بما حدث.
ذات مرة فوجد رجلا يصلي ولا يحسن أداء الصلاة، ولا يتم ركوعها ولا سجودها، فقال له حذيفة: مُذْ كم هذه صلاتك؟ فقال الرجل: منذ أربعين سنة، فأخبره حذيفة أنه ما صلى صلاة كاملة منذ أربعين سنة، ثم أخذ يعلِّمه كيف يصلي.
وكان حذيفة فارسًا شجاعًا، وحينما استشهد النعمان بن مقرن أمير جيش المسلمين في معركة نهاوند، تولى حذيفة القيادة، وأخذ الراية وتم للمسلمين النصر على أعدائهم، وشهد فتوح العراق وكان له فيها مواقف عظيمة.
وعرف حذيفة بالزهد، فقد أرسل إليه عمر مالاً ليقضي به حاجته، فقسم حذيفة هذا المال بين فقراء المسلمين وأقاربه، وأرسله عمر أميرًا على المدائن، وكتب لأهلها أن يسمعوا لحذيفة، ويطيعوا أمره، ويعطوه ما يسألهم، وخرج حذيفة متوجهًا إلى المدائن، وهو راكب حمارًا، وبيده قطعة من اللحم، فلما وصل إلى المدائن قال له أهلها: سلنا ما شئت. فقال حذيفة: أسألكم طعامًا آكله، وعلف حماري ما دمت فيكم. وظل حذيفة على هذا الأمر، لا يأخذ من المال قليلاً ولا كثيرًا إلا ما كان من طعامه وعلف حماره.
وأراد عمر أن يرى حال حذيفة وما أصبح فيه، فكتب إليه يطلب قدومه إلى المدينة، ثم اختبأ في الطريق حتى يرى ماذا جمع؟ فرآه على نفس الحال التي خرج بها، فخرج إليه فرحًا سعيدًا يقول له: أنت أخي وأنا أخوك. وكان عمر يقول: إني أتمنى أن يكون ملء بيتي رجالا مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان أستعملهم في طاعة الله.
وكان حذيفة -رضي الله عنه- يحب العزلة ويقول: لوددت أن لي مَنْ يصلح من مالي (يدير شئونه)، وأغلق بابي فلا يدخل عليَّ أحد، ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله.
وذات مرة غضب الناس من أحد الأمراء، فأقبل رجل إلى حذيفة في المسجد فقال له: يا صاحب رسول الله ( ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فرفع حذيفة رأسه، وعرف ما يريد الرجل، ثم قال له: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن، وليس من السنة أن تشهر (ترفع) السلاح على أميرك. وقد سئل: أي الفتنة أشد؟ فقال: أن يعرض عليك الخير والشر، فلا تدري أيهما تركب. وقال لأصحابه: إياكم ومواقف الفتن، فقيل له، وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه. وتُوفي -رضي الله عنه- سنة (36هـ).لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً، فقيل: (ما يبكيك ؟) فقال: (ما أبكي أسفاً على الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ). ودخل عليه بعض أصحابه، فسألهم: (أجئتم معكم بأكفان ؟) قالوا: (نعم) قال: (أرونيها) فوجدها جديدة فارهة، فابتسم وقال لهم: (ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر الا قليلاً، حتى أبدل خيراً منهما، أو شراً منهما) ثم تمتم بكلمات: (مرحباً بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم) وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن، وذلك بعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة.

الثلاثاء، 4 مارس 2014

صاحب المال الرابح أبو طلحة الأنصاري


إنه أبو طلحة زيد بن سهل الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-، أحد النقباء الاثني عشر الذين حضروا بيعة العقبة
عَرف زيدُ بن سهلٍ النجَّاريُّ المُكنى بأبي طلحة، أنَّ الرميصاءَ بنتَ مِلحان النجاريَّة المُكناة بأم سليمٍ قد غدتْ أيماً ( أصبحت بلا زوج ) بعد أن توفيَ زوجها؛ فاستطار فرحاً ( كاد يطير من شدة الفرح ) لهذا الخبر.فعزم على أن يُبادرَ إلى خطبتها قبل أن يسبقه إليها أحدٌ ممن يَطمحون إلى أمثالها من النساء.وكان أبو طلحة على ثقةٍ من أن أمَّ سليمٍ لن تُؤثر ( لن تفضل ) عليه أحدا من طالبيها...
مضى أبو طلحة إلى بيت أم سليم...وفيما هو في بعض طريقه تذكر أن أم سليمٍ قد سمعت من كلام هذا الداعية المكي مصعب بن عُمير، فآمنت بمحمد واتبعت دينه.
بلغ أبو طلحة منزل أم سليمٍ، واستأذن عليها، فأذنت له، وكان ابنها أنسٌ حاضرا، فعرض نفسه عليها....فقالت: إن مثلك يا أبا طلحة لا يرد، لكني لن أتزوجك فأنت رجلٌ كافر...
فظن أبو طلحة أن أم سليم تتعلل ( تتصنع له العلل والحجج ) عليه بذلك، وأنها قد آثرت عليه رجلاً آخر أكثر منه مالاً وأعز ( أعز قبيلة ) نفراً.
فقال لها: والله ما هذا الذي يمنعك مني يا أمّ سليم.
قالت: وما الذي يمنعني إذن ؟!
قال: الأصفر والأبيض... الذهب والفضة...
قالت: الذهب والفضة؟!
قال: نعم.
قالت: بل إني أشهدك يا أبا طلحة وأشهد الله ورسوله أنك إن أسلمت رضيت بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة، وجعلت إسلامك مهراً...
فما إن سمع أبو طلحة كلام أم سليم حتى انصرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه ( صنعه ) من نفيس الخشب، وخصَّ به نفسه كما كان يفعل السادة من قومه.
لكن أم سليم أرادت أن تطرق الحديد وهو ما زال حامياً ( أرادت ألا تضيع الفرصة ) فأتبعت تقول: ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض؟!
فقال: بلى.
قالت: أفلا تشعر بالخجل وأنت تعبد جذع شجرةٍ جعلت بعضه لك إلهاً بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً يصطلي ( يستدفئ بناره ) بناره أو يخبز عليه عجينه...
إنك إن أسلمت ( يا أبا طلحة ) رضيت بك زوجاً ولا أريد منك صداقاً ( مهراً ) غير الإسلام.
قال: ومن لي بالإسلام؟
قالت: أنا لك به.
قال: وكيف؟
قالت: تنطق بكلمة الحق فتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم تمضي إلى بيتك فتحطم صنمك ثم ترمي به.
فانطلقت أسارير أبي طلحة ( ظهر البشر والسرور على وجهه ) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثم تزوج من أم سليمٍ.....
* * *
وشاء الله ان يرزق أبو طلحة بولد من أم سليم، وشاء الله ان يمتحنهما بهذا الولد، فمرض الولد مرضا شديدا ومات بين يدي امه وابو طلحة غائب، فلما عاد استقبلته زوجته أم سليم احسن استقبال، وقربت اليه عشاءه فأكل وشرب ثم اصاب منها ما يصيب الزوج من زوجته. ثم قالت له: يا أبا طلحة أرأيت لو ان قوما اعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم ان يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم اخبرتني بابني، فانطلق وشكاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لكما في غابر ليلتكما). فحملت ثم ولدت غلاما فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له وسماه عبد الله. ثم رزقهما الله بتسعة من الأولاد كلهم قد حفظوا القرآن.

أحَبَّ أبو طلحة رسولَ الله صلوات الله عليه حباً خالط شِغافَ قلبه وجرَى مَجرى الدّم من عروقه، فكان لا يشبعُ من النظرِ إليه، ولا يَرتوي من الاستماعِ إلى عذب حديثه.
فلما كان يومُ أحدٍ انكشفَ المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَنفذ إليه المشركون من كلِّ جانب، فكسروا رباعيّته ( سنه التي بين الثنيِّة والناب ) وشجُّوا جبينه، وجرحوا شفته، وأسالوا الدّم على وجهه....عند ذلك لم يَثبتْ مع رسول الله غيرُ نفرٍ قليلٍ في طليعتهم أبو طلحة.
انتصبَ أبو طلحة أمامَ رسول الله صلوات الله عليه كالطود الراسخِ ثم وَترَ أبو طلحة قوسَه ( شد قوسه ) التي لا تفلُّ ( لا تهزم )، وركبَ عليها سهامَه التي لا تخطئ، وجعل يذود بها ( يدافع بها ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويرمي جنودَ المشرِكين واحداً إثر واحدٍ.
ومازالَ أبو طلحة يُنافح ( يدافع ) عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حتى كَسرَ ثلاث أقواسٍ، وقتل ما شاء الله أن يَقتلَ من جنود المشركين.
وكان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً، وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء) وهى أرض بها نخيل، وكانت أمام المسجد، فكان النبي ( يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزل قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، ذهب إلى النبي ( وقال له: إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال (: (بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [متفق عليه].
وكان أبو طلحة كثير الصيام، وكان حريصًا على الجهاد رغم كبر سنه؛ لقوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا}، فكان يقول لأبنائه: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخًا، يا بني جهزوني، فإني خارج معكم إلى الغزو، فيقول أبناؤه: يرحمك الله يا أبانا، قد غزوت مع الرسول ( حتى مات، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر حتى مات، فدعنا نغزو عنك، ولكنه صمم على رأيه، ولبس ثياب الحرب، وخرج معهم، ومات أثناء غزوة في البحر، ولم يجد الصحابة جزيرة قريبة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم تتغير رائحة جسده.
[ابن سعد]. وكان موته -رضي الله عنه- سنة (20 هـ).